كيف يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ؟
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو حالة نفسية تنشأ نتيجة التعرض لتجربة صادمة، مثل الحروب، الحوادث، الكوارث الطبيعية، أو الاعتداءات. ولا يقتصر تأثيره على الجانب النفسي فقط، بل يمتد ليشمل تغيرات ملموسة في الدماغ، مما يفسر الأعراض التي يعاني منها المصابون. في هذا المقال، سنستعرض كيف يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ من الناحية العصبية والوظيفية.
1. التغيرات في بنية الدماغ
هناك ثلاث مناطق رئيسية في الدماغ تتأثر بشكل ملحوظ باضطراب ما بعد الصدمة:
اللوزة الدماغية (Amygdala):
تلعب اللوزة دورًا أساسيًا في معالجة المشاعر، خاصة الخوف والاستجابة للخطر. في الأشخاص الذين يعانون من PTSD، تصبح اللوزة مفرطة النشاط، مما يجعلهم أكثر عرضة للشعور بالخوف والقلق حتى في غياب تهديد حقيقي.
الحُصين (Hippocampus):
هذه المنطقة مسؤولة عن معالجة الذكريات والتحكم في الاستجابات العاطفية. في مرضى PTSD، ينخفض حجم الحُصين، مما يؤدي إلى مشاكل في الذاكرة وصعوبة في التمييز بين الماضي والحاضر، مما يفسر الفلاش باك والكوابيس التي يعانون منها.
القشرة الأمامية الجبهية (Prefrontal Cortex):
هذه المنطقة مسؤولة عن التفكير المنطقي والتحكم في المشاعر. في حالة اضطراب ما بعد الصدمة، تصبح القشرة الأمامية الجبهية أقل نشاطًا، مما يضعف القدرة على كبح ردود الفعل العاطفية المفرطة التي تسببها اللوزة الدماغية.
2. التغيرات في كيمياء الدماغ
ارتفاع مستويات الكورتيزول والنورإبينفرين:
الكورتيزول هو هرمون التوتر الذي يساعد الجسم على التعامل مع المواقف الصعبة، بينما النورإبينفرين مسؤول عن استجابة "الكرّ أو الفرّ". في مرضى PTSD، يزداد إفراز النورإبينفرين، مما يؤدي إلى يقظة مفرطة، أرق، وتوتر دائم، بينما قد يكون مستوى الكورتيزول غير متوازن، مما يعطل استجابة الجسم الطبيعية للتوتر.
اضطرابات في أنظمة الناقلات العصبية:
اضطراب ما بعد الصدمة يؤثر على السيروتونين والدوبامين، وهما ناقلان عصبيان يؤثران على المزاج والتحفيز. نقص السيروتونين قد يسبب الاكتئاب والقلق، بينما عدم توازن الدوبامين قد يفسر أعراض الانعزال وفقدان المتعة.
3. التأثيرات على الإدراك والسلوك
نتيجة للتغيرات العصبية المذكورة، يعاني المصابون بـ PTSD من:
فرط اليقظة والاستجابة المبالغ فيها للخطر، حيث يكون الدماغ في حالة تأهب مستمرة.
مشاكل في التركيز واتخاذ القرارات بسبب ضعف القشرة الجبهية.
صعوبة في السيطرة على الذكريات المؤلمة نتيجة ضعف وظيفة الحُصين.
الخاتمة
اضطراب ما بعد الصدمة لا يقتصر على الذكريات الصعبة أو المشاعر السلبية، بل يغير طريقة عمل الدماغ بشكل جوهري. فهم هذه التغيرات يساعد في تطوير استراتيجيات علاجية فعالة، مثل العلاج السلوكي المعرفي والأدوية التي تستهدف استعادة التوازن العصبي. مع العلاج والدعم، يمكن للمرضى تحسين جودة حياتهم واستعادة السيطرة على أفكارهم ومشاعرهم.